تنبيهات

ندوة الإسلام وحوار الحضارات

المنعقدة بمكتبة الملك عبد العزيز العامة

الرياض (17-20 مارس 2002م)

 

نظمت مكتبة الملك عبدالعزيز العامة الندوة الدولية: (الإسلام وحوار الحضارات) برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز، حينما كان ولياً للعهد والرئيس الأعلى لمجلس إدارة المكتبة؛ استجابة لدعوة الأمم المتحدة لاعتبار عام 2001م عاماً لحوار الحضارات، وتأكيداً لرسالة الإسلام في الحوار بين الحضارات.

 

أهداف الندوة

تهدف الندوة إلى تبيان مفهوم الحوار والصراع بين الحضارات، وتوضيح مبدأ الحوار والتواصل في الإسلام والقيم والمبادئ التي يجب أن يستند عليها الحوار بين الحضارات، وتوضيح المفاهيم الأساسية لتعامل الإسلام مع الحضارات الأخرى، والتأكيد على أنَّ الإسلام دين الحوار والتواصل مع الحضارات، وتوضيح بعض المفاهيم الخاطئة على الأنماط الحضارية المعاصرة.

 

محاور الندوة الرئيسة:

المحور الأول: الحضارات صراع أم حوار؟

يحفل التاريخ البشري بالكثير من الشواهد الدالة على أن الصراع أحد سمات الاتصال البشري، كونه عاملاً مؤثراً في تكوين الحضارات وانتقالها، فبقدر ما كانت الحروب سبباً للدمار، فقد أدت إلى انتقال المعرفة وغيرها من مكونات الحضارة، وفي الوقت نفسه كان للعلاقات السليمة والحوار دور كبير في تحقيق التواصل الحضاري وبناء الثقافات، إنَّ الشواهد كثيرة على أنَّ الجانب الأكبر من الإنجاز الحضاري لم يكن ليتم لولا الله ثم الحوار كمنهج حضاري للتفاهم والتعايش بين الحضارات مع مراعاة خصوصية كل حضارة واحترامها لمبادئ وقيم الحضارات الأخرى.

 

المحور الثاني: الإسلام والحضارات الأخرى:

يهدف إلى التأكيد على أهمية الحوار في الإسلام وتوضيح الأسس التي ينطلق منها، كما يتناول موقف الإسلام من الحضارات الأخرى وعلاقته بالآخر باعتبارها علاقة تكامل تقوم على التعايش والحوار؛ فقد رسم الإسلام معالم التواصل سواء فيما ورد في القرآن الكريم أم السنة النبوية الشريفة، أم في الشواهد التاريخية الكثيرة من صدر الإسلام وما تلاه من عصور. وفي المحور ذاته دعوة إلى التفكير في الموقف الإسلامي إزاء العلاقات الحضارية بمختلف جوانب ذلك الموقف سواء في مفهوم الحضارة نفسه، أو كيفية التحاور والبناء الحضاري.

 

المحور الثالث: الحضارات المعاصرة تجارب وممارسات:

يتضمن عرض ومناقشة نماذج من الممارسات والشواهد في كل حضارة، مع التأكيد على بعض القضايا المعاصرة، مثل قضايا البيئة، والإرهاب، وحقوق الإنسان، وحقوق المرأة والتطور العلمي، والأمن البشري، والعولمة، والخصوصيات الثقافية... كما يتناول هذا المحور موقف الإسلام من القضايا الأساسية التي ما تزال تشغل العالم المعاصر، وتمثل في الوقت نفسه شواهد طبيعية.

 

 

البيان الختامي والتوصيات للندوة:

استمع الحضور، إلى كلمة الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، مؤسس المكتبة، ورئيس مجلس إدارتها التي رحّب فيها بالمشاركين وشكرهم على استجابتهم لدعوة المكتبة. ونقل إليهم تحيات الملك فهد بن عبدالعزيز، وأكد على أسس الحوار وركائزه، وقال:

(إن هذا ما نسعى إليه بوعي إنساني وحضاري، إلى أن يرانا العالم ونراه ليتفهّم فضائل الإسلام وإنسانيته.

إننا إخوانكم في المملكة العربية السعودية، ملكاً وشعباً، لا نريد أبداً أن تعايشنا العنصرية أو العصبية، لا نريد أن يكون لنا موقف سياسي لن نعرفه عبر التاريخ، فما بعثر الأمم الجائرة على القيم في التاريخ كله، شرقه وغربه، من آلاف السنين، إلا التشنّج والمغامرات، نجتهد أن يأتي تفكيرنا هادئاً، نتقبل النصيحة المخلصة، ونعطيها.

 إنّ أمة أو أمماً لا يكون العدل والوعي السياسي ملازماً لقوتها، تظل هدفاً للآفات والأمراض النفسية والشيخوخة. هذا ما يقوله المؤرخ والتاريخ في كل العصور.

إننا في المملكة قيادةً وشعباً ندرك كل الإدراك أنَّ أمننا ورخاءنا واستقرارنا ووحدتنا في محاورة كل حدث ومجادلته بالحسنى ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، لا نحلم أحلام اليقظة ولا نستعجل الأحداث إلى دارنا، وهذا ما نريده للآخرين، فما يجري اليوم في فلسطين الحبيبة، ويشهده العالم بما فيه من فجائع ومآسٍ وجور على الحق والعدل، أتراه حلماً من أحلام اليقظة بالعظمة عند من يسفك الدماء بغزارة، ويدمر العامر ويغالط الحقائق التاريخية. إنَّ هذا الطريق شائك لا يعطي قومه الأمان، إنه يزرع الحقد ويبعثر الأمن، ما أجهل من يرى هذا كله ولا يعود إلى التاريخ ليحكي له كيف نهاية الظالم مع المظلوم.

أقول هذا، وتقوله معي المملكة العربية السعودية، ملكاً وشعباً، ويقوله أيضاً خيار العالم، لنتقي بذلك الفتن وتداعي الأحداث من أجل استقرار هذه المنطقة الحساسة وسلامتها من الكوارث، وما يختاره الله هو الاختيار النافذ.

إنَّ ما طرحته من مبادرة للسلام العربية لم يكن اجتهادًا متعصبًا أبدًا، بل هو في طريقه إلى إخوتنا الرؤساء العرب، وإذا وصلهم، فالرأي الأخير لهم ولشعوبهم هو اجتهاد مخلص لا تعصب فيه، هو أيضاً أمل ستقاضيه الأيام، أرجو ألا يتعثر في معارك الدم والتدمير، وأن تلتقي عليه الأطراف، فقوة السلاح هي أخطر ما يفقد الأمم قوتها. فالسلاح الأقوى والأكثر فعاليةً هو العدل. أقول هذا، وأقول لا أمان لإسرائيل إلا بالعدل، وبرفع يدها عن حقوق الشعب الفلسطيني وبعض البلاد العربية، سيحاسبها عليه سلاح أقوى فعاليةً، وهو مناصرة العدل من كل أمم الأرض، في يومنا هذا أو غدنا، ويدينها السلاح الجائر، قائلاً: لا أمان لإسرائيل إلا بالعدل، وإعادة كل الحقوق العربية المشروعة التاريخية، فهذه المنطقة الحساسة منطقة الرسالات السماوية والمثل، لا تقبل بالجور أبدًا.

أنتم المصابيح التي تنير الظلمة النفسية، ما أجلّ ثوابتكم إذا تجاوز بكم حواركم الحضاري الغبش النفسي الذي يتعثر دون إبصار آيات الله الكبرى في هذه الاكتشافات العلمية من هذا الكون البعيد، وما أحوج الاكتشافات العلمية من هذا الكون البعيد، وما أحوج شعوب العالم إلى العلماء إلى العلماء والمثقفين وأرباب القلم، فهاجسنا دائماً مع هذه الفئة.. هم أملنا بعد الله، وأمل العالم في أن يكونوا حماة الحق والعدل).

ثم ألقى الأمين العام للأمم المتحدة كلمة أكد فيها على أنّ برامج الأمم المتحدة تعمل على تفعيل الحوار بين الحضارات والثقافات المختلفة، وإحلال الأمن والسلام في دول العالم. ثم ألقيت كلمة الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وكلمة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وكذلك كلمة المشرف العام على المكتبة، حيث اُستعرضت برامج هذه المنظمات الدولية وجهودها في دعم حوار الحضارات.

وطُرحت محاور الندوة الثلاثة: الحضارات: صراع أم حوار؟، الإسلام والحضارات الأخرى، الحضارة المعاصرة، تجارب وممارسات، خلال سبع عشرة جلسة شارك فيها أكثر من تسعين مثقفاً ومفكراً، يمثلون أكثر من عشرين جنسية، انتظموا جميعاً في تظاهرة علمية وثقافية لمناقشة وبحث واحدة من أبرز قضايا العصر (الإسلام وحوار الحضارات).

وطُرحت أوراق عمل متنوعة منها:

-          (جهود خادم الحرمين الشريفين في حوار الحضارات من خلال إنشائه للمراكز الثقافية والإسلامية في الخارج).

-          (موقف الإسلام من الإرهاب).

-          (التسامح في الإسلام).

-          (علاقة الإسلام بالغرب ... نظرة مستقبلية).

-          (العلاقة بين الشرق والغرب).

 

وفي نهاية الندوة، رفع المشاركون أصدق الشكر وأعمقه إلى الأمير عبدالله على رعايته الكريمة للثقافة والمثقفين... وثمنوا ما طرحه على الساحة من رؤى وأفكار ناضجة لخدمة قضية العرب والمسلمين.. قضية فلسطين التي حظيت بقبول كبير، ولقيت أصداءً واسعة، وجاءت في وقت أحوج ما تكون الأمة، بل العالم إلى مثل هذا الطرح الواعي.

 

توصيات الندوة:

1- اعتبار كلمة الملك فهد بن عبدالعزيز، (راعي الندوة) وثيقة للحوار والتعايش السلمي بين الحضارات.

2- وضع استراتيجية بعيدة المدى لتفعيل الحوار بين الحضارات والثقافات، من خلال استخدام معطيات التقنية الحديثة لتدعيم هذا الحوار الحضاري وتشجيع مجالات الترجمة في هذا الخصوص.

3- تكثيف اللقاءات الإسلامية مع الحضارات الأخرى لدراسة المسائل التي تهم الطرفين من أجل تشكيل مفاهيم مشتركة حولها، وتحرير النفوس والعقول من وطأة الصراع التاريخي بين الحضارات.

4- بذل الجهود الدولية السلمية الفاعلة من أجل حل المشكلات الكبرى المعقّدة والمزمنة التي تشكو منها المناطق التي يتولد فيها العنف ويتنامى.

5- التأكد على أهمية القيم الدينية والروحية والأخلاقية في تحقيق كرامة الإنسان وإقامة العدل، وتحقيق التعايش الآمن بين المجتمعات البشرية من الكوارث، والفقر، والجهل والتدهور الأخلاقي.

6- إشاعة روح التسامح والمساواة والتضامن، واحترام التنوع الثقافي بين الشعوب وخصوصيته.

7- زيادة الاهتمام بالأقليات الدينية والعرقية وضحايا الحروب والكوارث.

8- التركيز على التعليم وإشاعة ثقافة الحوار، لكونها السبيل الأفضل لتحقيق التعارف بين المجتمعات.

9- تشجيع العلماء والباحثين والأكاديميين في الجامعات ومراكز البحوث على إنجاز بحوث ميدانية وتطبيقية تتعلق بحوار الحضارات، وربطها بالنشاط العلمي لأعضاء هيئة التدريس والباحثين.

10- التأكيد على عقد المؤتمرات النوعية ومعارض الكتب ومنتديات الفكر والثقافة العالمية، والمشاركة فيها، بما يسهم في إثراء التفاعل بين حضارات الشعوب وثقافاتها.

11- أن تتبنى المكتبة إنشاء منتدى عالمي لحوار الحضارات، يهدف إلى تفعيل الحوار بين الحضارة الإسلامية وحضارات الأمم الأخرى وشعوبها.

12- قيام مكتبة الملك عبد العزيز العامة بتكوين لجنة لمتابعة توصيات الندوة، والعمل على تنفيذها ومتابعة طباعة بحوث الندوة وإصدارها في سجل علمي.